بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين أما بعد ,سنتحدث اليوم إن شاء الله تعالى عن أحد كبار الصحابة، وأحد المبشرين بالجنة، وهو "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه -
أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي، المُلقب بالفاروق، هو ثاني الخلفاء الراشدين ومن كبار أصحاب الرسول محمد، وأحد أشهر الأشخاص والقادة في التاريخ الإسلامي ومن أكثرهم تأثيرًا ونفوذًا. هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن علماء الصحابة وزهّادهم.
مولده ونسبه :
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أمير المؤمنين ، أبو حفص القرشي العدوي ، الفاروق -رضي الله عنه- .
ولد بعد عام الفيل بثلاثة عشر عاماً، -ما بين عامي (584 م : 590 م)-
أمه: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، أخت أبي جهل.
نشأته :
نشأ -رضي الله عنه- في مكة المكرمة، وكان منزله في الجاهلية في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عمر، وكان اسم الجبل في الجاهلية العاقر، وبه منازل بني عدي بن كعب.
اشتهر عمر -رضي الله عنه- في الجاهليّة بالفروسيّة والبطولة، فقد أحبّ المصارعة والرّمي والشّعر وركوب الخيل ، كما تعلّم القراءة والكتابة وبرع فيها.
وصفه :
وقال غيره : كان أمهق ، طوالا ، أصلع ، آدم ، أعسر يسر .
وقال أبو رجاء العطاردي : كان طويلا جسيما ، شديد الصلع ، شديد الحمرة ، في عارضيه خفة ، وسبلته كبيرة ، وفي أطرافها صهبة ، إذا حزبه أمر فتلها .
وقال سماك بن حرب : كان عمر أروح ، كأنه راكب والناس يمشون ، كأنه من رجال بني سدوس . والأروح : الذي يتدانى قدماه إذا مشى .
وقال أنس : كان يخضب بالحناء .
وقال سماك : كان عمر يسرع في مشيته .
ويروى عن عبد الله بن كعب بن مالك قال : كان عمر يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ويثب على فرسه فكأنما خلق على ظهره .
إسلامه :
كان عمر في جاهليته من أشد الناس إيذاء للمسلمين، وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يرى أن في إسلامه أو إسلام أبي جهل كسبًا كبيرًا للإسلام والمسلمين، فلذلك كان يدعو الله أن يهدي أي الرجلين إلى الإسلام.
روى الترمذي وغيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِأَبِي جَهْلٍ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ»، ورواه أحمد والترمذي وابن سعد وغيرهم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بلفظ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ»، وقد استجاب الله الدعاء، فكان أحب الرجلين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
فتحول هذا الكره والعداء الكبير للإسلام وللمسلمين إالى محبة وإخلاص شديدن بعد إسلامه، فحق له أن يكون عزاً للإسلام.
فضله في الإسلام :
قال عكرمة : لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر
وقال سعيد بن جبير : وصالح المؤمنين [ التحريم ] نزلت في عمر خاصة .
وقال ابن مسعود : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر .
وقال شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له أبو بكر وعمر: إن الناس يزيدهم حرصا على الإسلام أن يروا عليك زيا حسنا من الدنيا. فقال: "أفعل ، وايم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدا".
وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض، فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر. وروي نحوه من وجهين عن أبي سعيد الخدري.
وقال ابن مسعود: كان إسلامه فتحاً، وهجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر.
وقد مر في ترجمة الصديق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين، فقال: "هذان سيدا كهول أهل الجنة".
وقال محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إيها يا ابن الخطاب فوالذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك".
وقالت عائشة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب".
وقال حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن مشرح، عن عقبة بن عامر، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :"لو كان بعدي نبي لكان عمر".
وجاء من وجهين مختلفين عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :"إن الله باهى بأهل عرفة عامة، وباهى بعمر خاصة".
موافقاته للقرآن :
- أخرج ابن أبي حاتم عن جابرًا قال: لما طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له عمر: هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: نعم، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله، عز وجل: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}
- استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته في شأن أسرى بدر، فكان رأي أبي بكر أخذ الفدية من الكفّار ليتقوّى المسلمون بها، ولعلّ في ترك قتلهم فرصةً للمراجعة والتفكير بالإسلام، بينما أشار عمر بن الخطّاب وسعد بن معاذ بقتلهم، لأنهم أئمة الكفر، وفي التخلّص منهم ضربةٌ قويّة لأهل مكّة، ومال النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى رأي أبي بكر، فحسم الخلاف واختار الفدية، لكنّ الله -عز وجل- عاتب نبيّه عتاباً شديداً على هذا الاختيار، وذلك في قوله: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ، فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم}.
- عن أنس قال: قال عمر -رضي الله تعالى عنه- : اجتمع نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن!، فنزلت الآية.
- قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- : " وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ،........ وَآيَةُ الحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ"
- عن ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديا لقي عمر فقال: إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا، فقال له عمر: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين فنزلت على لسان عمر.
- عن عمر أنه قال: "اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً"، فنزلت هذه الآية التي في البقرة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا.....}، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: "اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً"، فنزلت الآية التي في النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}، فكان منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقام الصلاة نادى «أن لا يقربن الصلاة سكران»، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: "اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا"، فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ فهل أنتم منتهون، قال عمر: انتهينا انتهينا.
- عن عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال: كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد، فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة وقد سهر عنده، فوجد امرأته قد نامت فأرادها، فقالت: إني قد نمت، قال: ما نمت ثم وقع بها، وصنع كعب بن مالك مثل ذلك، فغدا عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره؛ فأنزل الله -تعالى- :{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ}
- جاءَ عمرُ بنُ الخطَّابِ إلى رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ هلَكْتُ. قالَ : وما الَّذي أَهْلَكَكَ؟ قالَ: حوَّلتُ رَحلي اللَّيلةَ فلم يرُدَّ علَيهِ شيئًا، فأوحيَ إلى رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- هذِهِ الآيةُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، يقول: أقبِلْ وأدبِرْ ، واتَّقِ الدُّبرَ والحَيضةَ .
- عن عمر بن الخطاب قال: لما توفى عبد الله بن أُبى دُعى رسول الله للصلاة عليه، فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولت حتى قمت فى صدره فقلت: يا رسول الله، أعلى عدو الله عبد الله بن أُبى القائل يوم كذا وكذا كذا وكذا -يعد أيامه- قال: ورسول الله يبتسم، حتى إذا أكثرت عليه قال: "أَخِّر عنى يا عمر، إنى قد خيرت فأخترت، قد قيل لى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ}، لو أعلم أنى لو زدت على السبعين غَفَر له لزدت". قال: ثم صلى عليه ومشى معه، فقام على قبره حتى فرغ منه. قال: فعَجَبٌ لى وجرأتى على رسول الله، والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت هاتان الآيتان: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ}.
خلافته :
تولّى -رضي الله عنه- الخلافة بعد وفاة أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- في سنة 13 للهجرة، وقد كانت خلافته مثالًا للعدل والرّشد، كما توسّعت في عهد الدّولة لتشمل فارس والعراق والشّام ومصر وبيت المقدس وليبيا وسجستان.
إنجازاته :
- إنشاء نظام الدواوين مثل ديوان الخراج والرواتب.
- تأسيس بيت مال المسلمين.
- وضع نظام للقضاء يوفر المزيد من العدالة.
- الفتح الاسلامي لمصر والشام والعراق.
- الاهتمام بالزراعة و تمهيد الطرق.
- إنشاء المدن الجديدة مثل الكوفة والفسطاط.
- جمع القرآن الكريم و الاهتمام بالعلم .
- إنشاء التقويم الهجري.
وفاته :
قُتل سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على يد أبي لؤلؤة المجوسي -لعنه الله- أثناء تأديته لصلاة الفجر في جماعةٍ من المسلمين في السنة الثالثة والعشرين للهجرة، ودُفن إلى جوار الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر الصديق في الحجرة النبوية في المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة.
المصادر :
- "قطف الثمر في موافقات سيدنا عمر" الإمام السيوطي
- "فتح الوهاب في موافقات سيدنا عمر بن الخطاب" العلامه محمد بدر الدين الحسني
- "تفسير القرآن" ابن كثير
- "سير أعلام النبلاء" شمس الدين الذهبي
- موسوعة ويكيبيديا
- "فضائل أصحاب النبي" البخاري
ليست هناك تعليقات: